طالبت جمعية المستقبل لحي قصبار دبروني المعروف بـ''الجاردينا'' الواقع بحي الهواء الجميل في بلدية باش جراح، السلطات بضرورة التدخل العاجل لإنقاذ حياة العائلات ''التي بات يتهددها الخطر من كل ناحية''· وأعرب رئيس الجمعية عن أمله في أن يجد مسؤولو بلدية باش جراح والمقاطعة الإدارية للحراش حلا عاجلا لوضعية سكان هذا الحي القصديري، التي دامت أكثر من 20 سنة قضوها وسط أكوام القاذورات وقنوات صرف المياه ''القاتلة''· كانت مفاجأتنا كبيرة ونحن نهمّ بالولوج إلى أدغال حي ''الجاردينا'' الواقع بالهواء الجميل في باش جراح، بتلك الرائحة الكريهة التي تسبقك حتى قبل أن تطأ أقدامنا ذلك الممر الضيق الوحيد المؤدي إلى الحي، وما هي إلا لحظات حتى قطعت إحدى ممثلات جمعية المستقبل هذا الانزعاج مازحة ''ماشفتو والو، مازال الخير لفدام''·وفعلا كان مزاح هذه السيدة في محله، فلم تمر سوى لحظات حتى صدمنا مرة أخرى بمشهد مجرى مياه قنوات الصرف، التي تداخلت بشكل يثير الدهشة والاستغراب بالمساكن، في ديكور واحد، لا يفصل بينهما سوى تلك الأكوام من القاذورات وأكياس الفضلات المنتشرة هنا وهناك، هنا سألتنا مرافقتنا ''هل أدركتم الآن حجم المعاناة التي نعيشها؟<·براءة تحاصرها قنوات الصرف والقاذورات من كل اتجاهوكانت نقطة بدايتنا في كل هذا، منظر أطفال حفاة من عمر البراءة وهم جميعهم من أبناء العائلات القاطنة في هذا الحي، مستغرقين في اللعب على بعد خطوة أو خطوتين من مجرى مياه قنوات الصرف، غير مدركين بحجم الخطر الذي بات يلاحقهم في أية لحظة، أمام مرأى بعض ربات البيوت غير البعيدات عن أنظارهن·· هنا حاولنا تنبيه إحداهن بحجم هذا الخطر فكان ردها ''إلى أين سيذهبون·· إنهم محاصرون بهذه المياه من جهة وتلك القاذورات من جهة أخرى'' قبل أن تضيف ''ربي يسترهم''· وكان لهذا المنظر ''المشمئز'' فاتحة الحديث عن القائمة الطويلة لضحايا مجرى قنوات الصرف والقاذورات، بالإضافة إلى الرطوبة العالية التي بلغت أقصى درجاتها بهذا المكان، الذي يبقى في أغلب فترات النهار محروما من أشعة الشمس· وفي هذا الإطار، كشف لنا رئيس جمعية المستقبل الخاصة بـ 68 عائلة التي بدأت تنشط منذ نحو عشر سنوات بالحي، قائمة الضحايا التي أحصت مؤخرا وفاة أحد أعضاء الجمعية متأثرا بداء السل ''الذي أفرزته طبيعة المكان غير المؤهلة أصلا للسكن''·· وعن الضحايا من فئة الأطفال، كشفت القائمة عن سلسلة أخرى تتصدرها الفتاة هند التي أصيبت هي الأخرى بمرض الربو المتبوع بالتهاب في المفاصل، ولا تزال لحد الآن تحت العلاج· وحكاية الرضيع رابح الذي لم يتعد عمره الـ6 أشهر المصاب بالتهاب تنفسي حاد ناتج عن الرطوبة الحادة· أما آخرها، فكانت بإصابة الرضيع خديجي عندما كان عمره لا يتجاوز الشهر بالتهاب رئوي· يضاف إلى هذه القائمة الطويلة حالات الحساسية وبعض الأمراض التنفسية·وقصد الوقوف على المشهد، استجبنا لإلحاح إحدى السيدات التي دعتنا للدخول إلى منزلها والتفقد عن قرب حجم الأضرار التي تلحق بالبيوت بسبب الرطوبة، إذ بمجرد أن دخلنا إحدى غرفها حتى صدمتنا رائحة الرطوبة المنبعثة من تحت الأرض ومن خلف الأسوار، كانت ممزوجة هي الأخرى برائحة مياه قنوات الصرف القذرة رغم بُعد منزلها بعض الشيء مقارنة بباقي المنازل الأخرى·· ولعل الأخطر في كل هذا، أن البيت كان يأوي أحد المرضى الذي بدا لنا أنه لم يعد يقوى حتى على الحديث، وهو ما اكتشفناه من التفاتة الترحاب التي وجهها لنا محاولا النهوض من سريره· وقد علمنا من خلال حديث والدته أن ظروفه الصحية أرغمته على قضاء اليوم كله داخل البيت، بعد إصابته بنوبة قلبية·صيف للحشرات والروائح·· وشتاء لمياه قنوات الصرف ويقول بعض السكان إن معاناتهم لم تعد تقتصر على شهر دون غيره، أو فصل دون آخر ''فالأيام بالنسبة لنا كلها متشابهة''·· ويبقى المتغير الوحيد في المعادلة ''سلسلة الأمراض الخطيرة الناتجة عن طبيعة كل مرحلة، وحسب المناخ الذي يعم هؤلاء السكان''· وحسب محدثينا، فإن هذا المشهد لا يزال يتكرر منذ 20 سنة، دون أن تحرك السلطات ساكنا ''وكأن الأمر لا يعني حياة الأشخاص المعرضة للخطر في أية لحظة'' تقول إحدى السيدات· وفي محاولة منه لشرح درجة وحجم المعاناة التي يعشيها سكان ''الجاردينا ''، اختصر لنا أحد السكان وضعهم قائلا ''الخطر أصبح يداهمنا من كل مكان وفي كل فصل· مشيرا في هذا الإطار إلى أن فصل الصيف يشهد تكاثر الحشرات الفتاكة، أهمها حشرة البعوض اللاسعة التي وجدت ضالتها في الفضلات المترامكة هنا هناك، بالإضافة إلى قاذورات مياه قنوات الصرف التي تزداد روائحها الكريهة حدة مع حلول موسم الحرارة·أما في موسم الأمطار فيبدأ فصل جديد من معاناة السكان مع مشاهد تصاعد مياه مجرى قنوات الصرف ليصل إلى غاية بيوتهم''· ويؤكدون في هذا الصدد بأنه كثيرا ما يؤدي فيضان المياه إلى إبقاء أبنائهم حبيسي البيوت لساعات عديدة، قد تجبرهم في الكثير من المرات على التغيب عن الدراسة، باعتبار أن الممر الوحيد المؤدي إلى خارج الحي يمتلئ بالمياه، وهو ما يعرّض حياه هؤلاء الأطفال للخطر· ويضيف محدثونا من جهة أخرى، أن المكان يتحول بفعل تساقط الأمطار الذي يقابله التصاعد المستمر لمياه قنوات الصرف، إلى شبه مستنقع مترامي الأطراف· والمثير أن السكان بهذا الحي القصديري أصبحوا يخافون على أبنائهم من الثعابين والجرذان التي تكاثرت في الآونة الأخيرة· ويؤكدون في هذا الصدد بأنه لا يمر يوم إلا واعترض طريق أحدهم ثعبان أو جرذ· وتسرد لنا إحدى السيدات كيف أنها نجت من عضة جرذ هاجمها بينما هي نائمة· وأضافت محدثنا التي أظهرت لنا قميصها البالي الذي بدت عليه آثار العضات ''كان حجمه كبيرا إلى درجة أنني فضلت الهروب على أن أهمّ بقتله''·وأكد لنا ممثل الجمعية أنه راسل البلدية في الكثير من المرات من أجل إحضار شاحنة المبيدات إلى الحي القصديري بهدف القضاء على البعوض، بالإضافة إلى إيجاد بعض الحلول الخاصة بمحاربة الجرذان والثعابين غير أن ''طلبنا كان في كل مرة يصطدم بالرفض''·''نطالب بالشاليات كحل ظرفي لمعاناة دامت 20 سنة''من جهة أخرى، يشتكي سكان الحي تصاعد حدة السرقة وتكرار عمليات السطو على المنازل التي يقوم بها أشخاص غرباء عن الحي، كان آخرها ما تعرضت له عجوز طاعن في السن إلى السرقة في وضح النهار، عندما استحوذ لصوص على جهاز التلفزيون، وهو مؤنسها الوحيد الذي كانت تقضي به معظم وقتها!!من جانب آخر، دق سكان ''الجاردينا''، ناقوس الخطر حول تنامي ظاهرة الاعتداءات على الفتيات، آخرها تعرض فتاة في منزلها إلى هجوم من قبل شباب منحرفين، ولولا تدخل الجيران لكان مصيرها شيئا آخر· ويقول السكان إنهم سئموا من هذه الوضعية التي ظلت تلاحقهم لأزيد من 20 سنة، وعليه فهم يلحّون على ضرورة الإسراع في إيجاد حلول لهم، وقد حاولوا عن طريق جمعية المستقبل في الكثير من المرات مراسلة السلطات المحلية ''لكن لا حياة لمن تنادي''· وأكد مسؤول الجمعية أن غالبية السكان أصبحوا يفكرون بصورة جدية حاليا في طرق أخرى للتعبير عن احتجاجهم من بينها ''الاعتصام في بعض المراكز الحساسة إذا كان مثل هذا الحل قد يؤدي للنتائج المرجوة''، ويضيفون أنهم يأملون أن تنظر إليهم السلطات الولائية بعين الرأفة عن طريق ترحيلهم باتجاه شاليات المنكوبين من الزلزال التي أصبح الكثير منها شاغرا بعد إعادة ترحيل أصحابها، ''وهو في نظرهم'' حل أضعف الإيمان، ''اقتناعا منا بأن تحقيق مطالبنا والاستفادة من السكنات يعتبر حلم بعيد المنال'' يقولون
الخبر
No comments:
Post a Comment