Friday, April 06, 2007

''الخبر'' تعيش أسبوعا بلياليه مع المشردينأرصفة العاصمة تتحول بالليل إلى ملجأ لمن لا بيت لهم

كانت الساعة تشير إلى حدود التاسعة ليلا من يوم الأحد 25 مارس، موعد بداية الجولة في شوارع العاصمة·· وكان هذا اليوم يصادف عقد الملتقى التكويني حول إشكالية أطفال الشوارع المنظم بالمركز الوطني لتكوين الموظفين المختصين ببئر خادم بالجزائر العاصمة· ويومها حاولنا الحصول على عدد الأطفال المتشردين في الجزائر من وزير التشغيل والتضامن الوطني جمال ولد عباس، لكننا لم نتمكن من ذلك·بعد خمس وعشرين دقيقة من السير البطيء على متن سيارة ''الخبر''، وصلنا إلى ساحة بور سعيد أو ''السكوار''؛ المنطقة التي تشهد أكبر عدد من المتشردين، كانت درجة الحرارة يومها تقارب العشر درجات مئوية، لاحظنا سيدة في الأربعين من عمرها تفترش ''الكرتون'' بينما ينام ابناها·· اقتربنا منها وسألناها: منذ متى وهي تعيش حالة التشرد··؟ فأجابتنا وهي منهمكة في وضع قطع الكارتون فوق بعضها البعض ''غدا سأعود إلى لبلاد''· وعلى حد قولها فإنها تقطن في المدية، وقد تمكنت من الحصول على المال الكافي· كان طفلاها يغطّان في نوم عميق، ولم نتمكن من الحديث معهما، لكنها أخبرتنا بأن الأول يسمى محمد 6 سنوات والثاني كمال 4 سنوات· نسأل ثانية، عن سر تواجدها هنا؟ فتقول ''هذه هي الحياة، منذ أن توفيت والدتي وأنا أعيش في الشارع''· وكيف تتحمّلين برودة الطقس في مثل هذه الليلة؟ ''نورمال، (أي عادي)··· لقد تعوّدنا على ذلك'' تجيب السيدة ''خيرة''·· أين والد الطفلين؟ نسأل فتجيب وهي تهز كتفيها ''المكتوب···''· وفهمنا من حديثها معنا بأن ابنيها غير شرعيين بسبب الاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها في عز شبابها· لكنها تثور فجأة وتخاطبنا ''أنتم الصحافة تتكلمون معنا فقط··· أحضروا لنا الدراهم وساعدونا''· ولم ندرك سر تغيّر نبرة صوتها معنا، إلا عندما اقترب من خلفنا رجل في الأربعين من عمره، وكان يحمل قضيبا حديديا في يده، قائلا ''ما الذي تفعله هنا···اذهب من هنا''· تناولت ''الرهج'' لأنتحر غادرنا المنطقة، واتجهنا إلى ساحة الشهداء بحثا عن متشردين آخرين، لكننا لم نجدهم· وفي حدود الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة، لاحظنا متشردة تجلس على الرصيف بشارع أول نوفمبر، وكالعادة طلبنا من السائق أن يركن السيارة في مكان بعيد لنتمكن من الحديث معها· هي ''فطيمة'' البالغة من العمر 30 سنة، تقول ''لقد كبرت وترعرعت في هذه الحومة، قضيت فيها حتى الآن 18 سنة''· كانت تجلس على الرصيف وتستمع للموسيقى الشعبية بفضل مذياع صغير· عندما كنا نتحدث معها، أصرّت على أن نجلس بجانبها لنرتاح·· فرفعت قطعة الكارتون التي كانت تغطي بها دلو الماء، ووضعتها على الرصيف وطلبت منا الجلوس· تؤكد فطيمة بأنها قدمت من ولاية الشلف· بعد طلاق والديها اضطرت للعيش مع زوجة والدها الجديدة، حيث تقول ''لقد أصبحت تفتعل المشاكل لي مع والدي، فراح يضربني ويرفض أخذي للطبيب رغم مروري بأزمات صحية· وبعد شهور معدودة انطلقت في رحلة الهروب نحو الشارع وحملتها الأقدار إلى الجزائر العاصمة''· - كيف وجدت حياة الشارع في بدايتها؟لقد عانيت كثيرا··· لقد اعتدى أحد الإرهابيين علي في ساحة الشهداء، بعد أن أخذتني متشردة إلى مكان تواجدهم·· - ألم تفكري في دخول مركز للمتشردين؟لقد نقلوني إلى مركز بئر خادم رفقة فتاة أخرى ضحية إرهاب··· لا أدري اليوم ما الذي يدور في رأسي· فمنذ شهور قليلة تناولت ''الرهج'' (السم) الذي يوضع للفئران وكدت أموت·كانت الساعة تشير وقتها إلى حدود العاشرة والنصف ليلا، سلكنا طريق العودة، وفي موقف الحافلات بشارع كريم بلقاسم، قبيل الحاجز الأمني، لاحظنا فتاة جالسة وينام بجانبها طفل· تقدمنا منها وسألناها عنه، فأكدت لنا بأنه ابنها محمد، واستغربنا الأمر لأنها تبدو صغيرة في السن· لم تتوقف دهشتنا عند هذا الحد، فحكاية ''إيمان'' البالغة من العمر 28 سنة مؤلمة· تقول بأنها فقدت زوجها منذ حوالي 4 سنوات بعد وفاته بسكتة قلبية، بعد أن كانت أنجبت منه محمد، البالغ من العمر حاليا سبع سنوات· ''لقد أرادت والدتي أن تزوجني مرة أخرى، لكني رفضت، لأن هذا الأخير اشترط علي أن أترك ابني''· مؤكدة بأن ذلك يستحيل وتضيف ''لا يمكنني أن أتخلى عن فلذة كبدي··· أبدا''· وأمام هذا الوضع، بدأت والدتها تفتعل المشاكل لها، حتى اضطرت في آخر المطاف إلى الخروج إلى الشارع·تفضل ''إيمان'' موقف الحافلات، لأنه آمن·· ولا يفارق جهاز الـ''أم·بي''3 أذنيها، وبينما كان ''محمد'' نائما، يتوسد حقيبة يدها ويفترش قطعة كرتون، واصلنا طرح الأسئلة عليها· تقول بأنها تفضل الاستماع إلى القرآن الكريم وأغاني الفنان المصري إيهاب توفيق· هل تنامين هنا؟·· ''لا أبدا··· هل تريد أن يعتدي علي ليـ···''، أنا أقضي الليل جالسة بالقرب من ابني لأحرسه· وتؤكد بأن ابنها في السنة الثانية ابتدائي وتحصّل على معدل 7 من عشرة، وأنه في عطلة حاليا· أخبرتنا هذه الأخيرة بأنها تعرضت إلى حادث مرور صبيحة اليوم في باب الوادي، حيث صدمتها سيارة (من نوع رونو 4)، وأصابتها على مستوى الكعب ما اضطر نقلها إلى المستشفى لتلقّي العلاج اللازم· وقبل مغادرتنا المكان طلبنا منها أن توافق على أن نزورها من حين إلى آخر، وأن نستفسر عن أمورها وأحولها، فوافقت على ذلك، بشرط أن لا تلتقط لها صور· انتهت رحلة البحث عن المتشردين في يومها الأول، وفنّدنا بذلك ما أخبرنا به بعض من التقينا بهم بأن ''لا متشردين في العاصمة منذ انطلاق فعاليات الجزائر عاصمة للثقافة العربية .''2007 في اليوم الموالي، كنا بالقرب من حديقة صوفيا، كانت الساعة تشير إلى حدود التاسعة ليلا، ودرجة الحرارة تقارب 11 درجة مئوية· اقتربنا منها وطلبنا منها أن تسمح لنا بالجلوس بقربها· اسمها ''الزهرة''، تبلغ من العمر 34 سنة، كانت تضع ابنها في حجرها، ترتدي حجابا وتضع كيسا بجانبها وفراشا (ماطلا) خلفها·· تقول بأنها قدمت من شرشال وبعد 15 سنة من الحياة الزوجية، ''لقد قتلت الجماعات الإرهابية زوجي في حاجز أمني مزيف''· عندما سألناها عن قسوة الحياة في الشارع، تنهدت وقالت ''الصبر نحن شادين في ربي''·· مؤكدة بأنها تعيش في شوارع العاصمة منذ 5 سنوات· - ألم تقدمي ملفا للحصول على سكن؟قدمت ملفا على مستوى الولاية، لكن لم أتلق أي جواب·· تركنا السيدة ''الزهرة''، التي أكدت لنا بأنها تحدثت مع عديد الصحفيين لكن أزمتها لم تحل· وفي حدود الساعة التاسعة و50 دقيقة ليلا، اتجهنا صوب موقف الحافلات المعهود، حتى نستكمل حكاية ''إيمان'' ونتحدث مع ''محمد'' قبل أن يغط في النوم· وبينما كنا نتحدث مع والدته كان ''محمد'' مستيقظا، وأخبرنا بأنه كان ينتظرنا· وكان يلعب بالقرب من والدته التي تجلس في كرسي الانتظار، وقد غير ملابسه التي كان يرتديها نهار أمس· كيف مر هذا اليوم عليكم؟ نسأل فتجيب ''نورمال''··· وتوضح ''لقد خفّ ألم رجلي بعض الشيء''· هل توجهت إلى المستشفى لمواصلة العلاج ومعرفة حجم الإصابة؟ فتقول ''لا··· لم أذهب''··- كيف حالك يا محمد ألم تنم بعد؟ (نوجه كلامنا لابنها)لا ليس بعد (راسما ابتسامة عريضة على محياه)··· لم يصل وقت نومه بعد·· فأنا أقوم بتحفيظه بعض السور والآيات القرآنية قبل أن ينام··· إن هذا هو وقت نومه·أبي يكرهني··انتهت مهمتنا لليوم الثاني على التوالي في حدود الحادية عشرة ليلا، لتنطلق في اليوم الموالي جولتنا في شوارع العاصمة في يومها الثالث· كانت عقارب الساعة قد بلغت التاسعة وأربع وأربعين دقيقة ليلا، أما البرد فكان قارسا، وبلغت درجة الحرارة 9 درجات مئوية، وتوقفت الأمطار عن الهطول بعد يوم كامل من تساقطها·· اتجهنا مباشرة صوب الحديقة المقابلة للبريد المركزي· سرنا بعدها باتجاه البريد المركزي، وفي مدخل العمارة المقابلة، شاهدنا سيدة رفقة طفلين·· كانت الساعة تشير إلى حدود العاشرة والربع ليلا، عندما طلبنا من السائق التوقف بالقرب من حديقة صوفيا، واتجهنا راجلين نحو المكان المحدد·· وبعد أن سألنا إن كان الطفلان ابنيها، قالت المتحدثة بأن أصغرهما فقط ابنها· وأوضحت بأنها ليست متشردة ولكنها متسولة وتقطن في باب الوادي·اسمه ''ش· سيد علي''، يبلغ من العمر 14 سنة، يقول بأنه يخوض تجربة العيش في الشارع منذ فصل الصيف· ويضيف ''والداي مطلقان وكنت أقطن في برج الكيفان··· لي ثلاثة إخوة وأنا أكبرهم''· عندما كان يحدثنا كانت رائحة ''الباتاكس'' (أي الغراء) تفوح منه· - كيف بدأت رحلة المشاكل في المنزل واضطررت للهرب؟كان أبي يتعاطى ''الزطلة'' (أي المخدرات) والكاشيات (الأقراص المهلوسة) وتضاعف حجم الخلاف مع والدتي، إلى أن اتجها إلى العدالة للطلاق··· كان يدخل المنزل في ساعة متأخرة من الليل وهو ''خابط'' (ثمل)، ويدخل أصدقاءه معه، لكن والدتي كانت ترفض ذلك باستمرار، إنه يكرهني كان يأمرني بأن أسرق لأجلب له المال·متشردة فرنسية الجنسيةاليوم الرابع لم يكن أقل برودة من سابقيه فحسب، بل وقفنا فيه على حجم التشرد الذي يعاني منه أطفال ومراهقون·· كانت الساعة تشير إلى حدود التاسعة وتسع وثلاثين دقيقة ليلا، استوقفَنا مشهد سيدة أمام بوابة سينما الجزائر بشارع ديدوش مراد، هي في الأربعين من عمرها، تفترش قطع ''الكارتون'' في تلك الزاوية المظلمة وكانت تجلس بالقرب منها فتاة صغيرة·· وبينما طلبنا منها الموافقة على الحديث معنا، كان عامل التنظيف يصرخ في وجه ابنتها وابنها الأكبر طالبا منهما أن يتوقفا عن بعثرة النفايات، لأنه لم يتمكن من جمعها·خضنا معها في الكلام وعلمنا بأنها تدعى ''زهيرة'' وأنها حامل، فطلبنا منها أن تسرد لنا حكايتها مع الشارع قالت ''أنا أقضي حياتي منذ رمضان الفارط في شوارع العاصمة، فقد خدعني زوجي من خلال بيعه الشقة التي كنا نقطنها بباش جراح''· وتضيف ''لقد تقدمت بشكوى ضده لأنه لا يسمح له قانونا بأن يبيع سكنا ذا طابع اجتماعي''· وتؤكد هذه الأخيرة بأنها تعيش حياة التشرد موسميا، فالمولد النبوي بعد يومين، والعطلة الربيعية على وشك الانتهاء، ليعود أبناؤها الثلاثة للدراسة· ورغم محاولاتنا المتكررة للحديث معهم، إلا أنهم رفضوا ذلك· كانت الساعة تشير إلى حدود العاشرة ليلا عندما توقفنا بالقرب من محل لبيع المأكولات الخفيفة بساحة ''أودان''، حيث لفت انتباهنا سيدة تجلس في قارعة الرصيف·· اقتربنا منها فرفضت الحديث معنا في بداية الأمر عندما علمت بأننا من الصحافة، حيث تقول: كيف تريدون منا أن نعيش، فلولا التسول لمتنا جوعا! كانت السيدة مريم 30 سنة تريد أن تقول الكثير للصحفيين، بمن فيهم العاملون في التلفزيون الذين تحدثوا معها مطولا في حصص عن التشرد والتسول، لكننا فضلنا أن تحكي لنا قصتها مع الشارع، تقول بعد أن تتنهد: لقد اكتشفت بعد 3 سنوات من زواجي بأن الرجل الذي عشت معه متزوج من أخرى تبلغ من العمر 45 سنة، فلم أتمالك نفسي وهربت من المنزل من شدة الصدمة·· وتضيف بأنها قدمت من مدينة وادي سوف، وأنها أنجبت منه ولدين أصغرهما يبلغ من العمر سنة، كان نائما على عكس ''إبراهيم'' البالغ من العمر 3سنوات· بعدها اتجهنا نحو نهج العقيد عميروش، حيث كان عدد من المتشردين من مختلف الأعمار، وما إن اقتربنا منهم، حتى راحوا يغطون وجوههم خوفا من عدسة آلة التصوير·· ''كرهنا من هذا الوضع··· إن المتوحشين يعتدون علينا باستمرار''، تقول ''نصيرة'' 32 سنة· التي تضيف في حديثها معنا ''لي ثلاثة أولاد، واضطررت بعد وفاة زوجي إلى الخروج إلى الشارع، بعد أن رفضت عائلتي أن تتقبلني بوضعيتي الجديدة''· وطلبت منا ''نصيرة'' أن نتحدث مع سيدة أخرى كانت تفترش ''الكارتون''، قالت بأنها ذات جنسية فرنسية، هي ''إيسيا موييز''، 43 سنة، قصيرة القامة سوداء البشرة، تقول بأنها قضت 23 سنة من حياتها في فرنسا، وعندما قدمت إلى الجزائر لتسوية بعض الوثائق سنة ,1986 فشلت في العودة وهي تسكن الشارع منذ 12 جوان .1996 وتقول ''لا أتحمّل اليوم قسوة الشارع كما في السابق فحالتي الصحية تدهورت''· كانت ترتدي ''بوني'' (قبعة صوفية) على رأسها· وتؤكد ''أنا أتحصل على بعض المال بالقرب من الميناء حيث أملأ بعض الوثائق للمستوردين وبعض التجار''· وبالقرب من ''إيسيا موييز''، كان ثلاثة متشردين منهمكين في تناول العشاء، اقتربنا منهم واتضح بأنهم جلبوا ''اللوبيا'' وبعض قطع الخبز، ولم تكن هناك لا ملاعق ولا صحون، كانت ''اللوبيا'' في قارورة ماء معدني وهم يتداولون على شربها الواحد تلو الآخر· بينما كنا نتحدث مع هؤلاء المتشردين، كانت سيدتان متحجبتان بالقرب من مقر وزارة الفلاحة، تطلبان الحديث معنا· أريد أن أبيع كليتي··· لأعيشتقول الأولى المسماة ''فايزة''، 30 سنة، بأنها تبحث عن عمل لتنهي حياة التسول والتشرد، وتضيف ''أريد تأجير منزل وأن أعيش حياة محترمة مثل غيري· لا يغرّك المظهر فأنا مضطرة لارتداء لباس يجعلني أظهر في صورة عجوز حتى لا أتعرض للمشاكل والمضايقات''· فايزة قدمت من مدينة بسكرة وكانت تعمل كخادمة في منزل حلاقة ببوزريعة، لكنها اتهمتها بسرقة مجوهراتها بقيمة 30 مليون سنتيم، ومنذ شهر رمضان وهي تعيش في الشارع نهارا وفي الساعات الأولى من الليل فقط، أما ليلها فتقضيه في منزل بباب الوادي عند ''حبيبتها'' كما تقول· ولا تتردد في التأكيد على أن قسوة الحياة حوّلتها إلى عجوز فعلا، حيث تتوقف عن الكلام برهة ثم تقول ''أريد أن أبيع كليتي، لأعيش بقية حياتي مثل الآخرين''· أما صديقتها فرفضت الحديث معنا، وأخبرتنا ''فايزة'' بأنها أنجبت طفلا (يبلغ من العمر سنتين) من زوجها، وهي تعاني من مشاكل عائلية· ''لقد أخذونا أمس إلى مركز دالي إبراهيم، وتركوا المجانين يعتدون علينا''· تقول فايزة، التي تضيف بغضب ''الكارلاج (البلاط) في الرصيف أحسن من المركز''· وتؤكد في نفس السياق بأنه لا يوجد شيء في ذلك المركز، حتى الغطاء والأفرشة لا توجد· وبعد صمت طويل، تتحدث رفيقتها قائلة ''لقد تشاجر المشرفون على المركز فيما بينهم، لقد قال أحدهم··· لماذا أحضرتهم··· لا يوجد مكان يتسع لهم؟''· كانت الساعة تشير إلى حدود الحادية عشرة ليلا، وفي طريق العودة اتجهنا إلى موقف الحافلات بشارع كريم بلقاسم، كانت ''إيمان'' في وضعيتها المعهودة، ترتدي معطفها الصوفي الأسود وتضع سماعة ''الآم· بي ''3 في أذنيها، أما محمد فقد استيقظ بعد أن شعر بوجودنا· وما إن ألقينا التحية عليهما، حتى أخبرتنا هذه الأخيرة بأن شابا على متن سيارة كان يعاكسها، واضطرت لأن ترمي الحجارة عليه· أما فيما يتعلق برجلها فقد ضمّدت الجرح لكن ليس في المستشفى·- هل تناولتما وجبة العشاء؟أنا لا، لكني اشتريت ''سوندويتش'' لابني··· نحن نتناول وجبة واحدة في النهار· - أين تقضين نهارك؟أتجه إلى حمام صديقتي وفي الليل أعود إلى هذا المكان· انقضت الليلة الرابعة وتركنا أطفال ورجال ونساء الشارع يبحثون عن مواقع للنوم· وفي الليلة الخامسة، كانت الساعة تشير إلى حدود التاسعة و18 دقيقة، سلكنا الطريق باتجاه البريد المركزي، وبالقرب من الإشارة الضوئية وجدنا مراهقا يتسول، واضعا غطاء أصفر اللون على كتفه ويحمل في يده اليمنى قارورة بلاستيكية بها كمية من المشروبات الغازية، ويخفي باليد الأخرى كيس حليب يستنشق الغراء منه· توقفنا بالسيارة بعيدا عنه، وسرنا راجلين نحوه، رفض في البداية الحديث معنا خوفا من عدسة آلة التصوير، لكننا طمأنّاه وغصنا معه في تفاصيل حياته· يقول رضا، 17 سنة، بأنه يعيش حياة التشرد منذ 17 شهرا· ويستطرد ''لقد كرهت الحياة داخل مركز الأحداث بقسنطينة، فهم يبقون علينا بالداخل كالسجناء''· أما عن حكايته مع مراكز الطفولة المسعفة، فيؤكد بأن والديه تركاه أمام باب المركز عندما كان عمره ثلاثة أشهر·· لماذا تستنشق ''الباتيكس''؟ فقال ''لولا ''الباتيكس'' لما تمكنت من الحديث معك، فهي تجعلني هادئا وقادرا على ضبط توازني''· وكما يفكر أمثاله يقول رضا ''أنا أحلم بالحرفة في ''البابور'' فهنا لا عائلة ولا منزل لي''· ويقدم لنا أمثلة عن بعض الشباب في مثل سنه، ممن تمكنوا من عبور البحر والوصول إلى فرنسا وإيطاليا أغلبهم من أبناء الحراش بالجزائر العاصمة·وبينما نحن نسير على متن السيارة في شارع زيغود يوسف، شاهدنا مركبة تابعة للإسعاف الاجتماعي متوقفة، كانت الساعة تشير إلى حدود التاسعة و50 دقيقة ليلا· توقفنا واتجهنا نحو سيدة كان أعوان الإسعاف الاجتماعي يتحدثون معها· وبعد أن رفضت الذهاب معهم، اقتربنا منها وسألناها عن سبب رفضها فقالت ''لست مجنونة حتى أذهب معهم إلى مركز دالي إبراهيم إنه الجحيم··· الرصيف أرحم''· بينما كنا نتحدث معها كانت تفرش قطعا من ''الكارتون''، أما ابنتها نور الهدى البالغة من العمر 6 سنوات فكانت تلعب بالقرب منها· تقول السيدة ''ربيعة'' بأنها قدمت من مدينة فوكة مارين بالقليعة، من أجل التسول، وستقضي الليلة هنا على أن تعود إلى منزلها في اليوم الموالي· وتضيف ''إذا لم أفعل هذا فلن أعيش لأن لدي أربعة أطفال··· وزوجي لا يعمل''· في حدود العاشرة و21 دقيقة، توقفنا بالقرب من موقف الحافلات بشارع كريم بلقاسم، حيث كانت ''إيمان'' رفقة ابنها ''محمد'' في نفس الوضعية، نزلنا وألقينا عليها التحية، وقبل مغادرتنا قالت لنا ''صح مولودكم''·في اليوم السادس والأخير من جولتنا، لم يتوقف منذ بداية الساعات الأولى لليلة المولد النبوي الشريف دوي المفرقعات ومختلف الألعاب النارية·· وانطلقنا في حدود الساعة التاسعة و40 دقيقة باتجاه شارع زيغود يوسف، التقينا بالسيدة ''ربيعة'' في نفس المكان المعهود، سألناها عن سبب بقائها، رغم أنها أكدت لنا أمس بأنها ستقضي ليلة المولد النبوي الشريف مع العائلة، فأجابتنا بنبرة صوت حزينة ''لقد أخذت لهم الدجاج والفاكهة والمفرقعات وعدت''· وأضافت بقولها ''أطلب من بوتفليقة أن يمنحنا سكنا وأن يجد لنا حلا··· أرجوك اكتب هذا في الجريدة''· أما نور الهدى فعلّقت علينا بقولها ''أنت تكتب كل ما تقوله والدتي''··· وأباحت لنا السيدة ''ربيعة'' بأن مزاجها معكّر· وبينما نحن نتأهب لمغادرة المكان حتى طلبت مني أن تكتب بعض الشعر، فأخبرتها بأن عليها أن تملي علي الأبيات لأدوّنها، لكنها رفضت ذلك مؤكدة بأنها تجيد الكتابة، فسلّمناها القلم والورقة وكتبت أبياتا بالشعر الملحون لخصت فيها معاناتها وقصتها مع الحياة، حيث تقول···''هذه الدنيا هي لغدرت بيا··· حتى وليت في زنقا مرميا··· نطلب صبحا وعشيا··· بهذه المعيشة منيش هنيا··· ماتو كل أهلي وماليا···· ما بقى لي حد غير بناتي لعزاز عليا''· أوقفنا السيارة في حدود الساعة العاشرة وربع ليلا، في نهج العقيد عميروش، كانت مظاهر الاحتفالات بادية، اقتربنا من المتشردين الذين يجتمعون في مدخل البناية المقابلة لوزارة الفلاحة، وكانت أول من تحدثنا إليها ''ابتسام'' 19 سنة، التي كانت ذات مظهر لائق وتدخّن سيجارة· تقول بأنها اضطرت للعيش في الشارع بسبب طلاق والديها وكثرة المشاكل العائلية· وتضيف ''أنا أعيش في الشارع منذ 10 سنوات''· أما عن مستقبلها فتجيب بلا تردد ''لقد ضاع كل شيء''· الغريب في حكاية ''ابتسام'' أنها أم عازبة، وتربي ابنتها عند مربية مقابل دخل شهري· ومن أين تحصلين على المال؟ نسأل فتقول ''لا أكذب عليك·· أسرق··· فأنا أضرب الجلدة والجيب في شوارع العاصمة''· ألم يتم توقيفك من قبل؟ ''لم يحدث معي هذا فأنا أسرق باحترافية''· وعن ''المدخول اليومي''، تؤكد بأنه ما بين 10000 و20000 دينار· وفي طريق عودتنا للقاء ''إيمان'' لم نجدها في المكان المعهود···أما ''ك·ياسين''، 23 سنة، فوضعه لا يختلف عن سابقيه، لقد قدم من مدينة الرويبة وهو يعيش حياة الشارع منذ 11 سنة· دفعته المشاكل العائلية إلى الهرب، ويؤكد بأن طلاق والديه حطّم حياته· عندما سألناه عن وجبة العشاء التي تناولها هذه الليلة، تردد قليلا ثم قال ''بصراحة··· لم أتناول شيئا''·- أين تنام؟ هنا في الرصيف··- هل تجد ما تفترشه لتنام؟ لا، لم نعد نجد ''الكارتون'' كما في السابق، فمنذ أن أصبح جمع ''الكارتون'' مهنة أصبح من الصعب العثور عليه· إن ''تونيك'' سبّبت لنا أزمة كارتون حقيقية·- ما الذي تحس به في مثل هذه الليلة؟ لا شيء، لكن أنتم ترون بأن لا أحد تذكّرنا في المولد النبوي الشريف·تركنا جميع من التقيناهم··· ومع كل واحد منهم حكاية مع الشارع··· لكن السؤال الذي يبقى مطروحا: ما هو مصير ''إبراهيم'' البالغ من العمر 3 سنوات و''نور الهدى'' البالغة من العمر 6 سنوات، ومحمد وغيرهم؟· الأكيد بأنه لن يختلف عن المصير الذي آل إليه رضا، سيد علي، ابتسام وغيرهم·· سيبقى الشارع والرصيف مسكنهم و''الكارتون'' فراشهم··· ولن يتغير ديكور العاصمة ليلا··· وسيتحول هؤلاء من ضحايا إلى مجرمين، حيث السرقة والقتل والشذوذ الجنس
المصدر: روبورتاج: زبير فاضل 2007-04-05




4 comments:

DR UMAR said...



هل ترغب في شراء الكلى أو تريد بيع الخاص بك
¿الكلى؟ انه انت
تبحث عن فرصة لبيع الكلى من أجل المال
بسبب الانهيار المالي وأنت لا تعرف ماذا تفعل
لا ، ثم اتصل بنا اليوم وسنقدم لك جيدًا
المبلغ من المال لكليتك. اسمي دكتور عمر
أنا أخصائي أمراض الكلى في عيادة UMAR. عيادتنا هي
متخصص في جراحة الكلى ونقوم أيضًا بمعالجتها
شراء وزرع الكلى مع
المانح المقابل
نحن موجودون في الهند وتركيا ونيجيريا والولايات المتحدة وماليزيا ودبي والكويت
إذا كنت ترغب في بيع أو شراء الكلى ، فالرجاء عدم ذلك
لا تتردد في الاتصال بنا عبر البريد الإلكتروني.
البريد الإلكتروني: doctorumarclinic@gmail.com

بانتباه
الدكتور عمر.

DR UMAR said...

هل تبيع كليتك مقابل 800000 دولار أمريكي؟ انه انت
تبحث عن فرصة لبيع الكلى من أجل المال
بسبب الانهيار المالي وأنت لا تعرف ماذا تفعل
لا ، ثم اتصل بنا اليوم وسنقدم لك جيدًا
المبلغ من المال لكليتك. اسمي دكتور عمر
أنا أخصائي أمراض الكلى في عيادة UMAR. عيادتنا هي
متخصص في جراحة الكلى ونقوم أيضًا بمعالجتها
شراء وزرع الكلى مع
المانح المقابل
نحن موجودون في الهند وفرنسا ونيجيريا والولايات المتحدة وماليزيا ودبي والكويت
إذا كنت ترغب في بيع أو شراء الكلى ، فالرجاء عدم ذلك
لا تتردد في الاتصال بنا عبر البريد الإلكتروني.
البريد الإلكتروني: doctorumarclinic@gmail.com

بإخلاص
الدكتور عمر.

DR UMAR said...

هل تريد بيع كليتك مقابل 800000 دولار أمريكي؟ انه انت
تبحث عن فرصة لبيع الكلى من أجل المال
بسبب الانهيار المالي وأنت لا تعرف ماذا تفعل
لا ، ثم اتصل بنا اليوم وسنقدم لك جيدًا
المبلغ من المال لكليتك. اسمي دكتور عمر
أنا أخصائي أمراض الكلى في عيادة UMAR. عيادتنا هي
متخصص في جراحة الكلى ونقوم أيضًا بمعالجتها
شراء وزرع الكلى مع
المانح المقابل
نحن موجودون في الهند ، فرنسا ، نيجيريا ، الولايات المتحدة ، ماليزيا ، دبي ، الكويت
إذا كنت ترغب في بيع كليتيك فلا تتردد في الاتصال بنا عبر البريد الإلكتروني.
البريد الإلكتروني: doctorumarclinic@gmail.com

بإخلاص
الدكتور عمر.

Dr mcmahon Gary said...

مرحبا أصدقاء يوم جيد


أنا الدكتور Mcmahon غاري هل تريد بيع الكلى الخاص بك إذا كنت
تبحث عن فرصة لبيع الكلى من أجل المال
بسبب الانهيار المالي وأنت لا تعرف ماذا تفعل
  ثم اتصل بنا اليوم وسنقدم لك خدمة جيدة
المبلغ من المال لكليتك. اسمي دكتور مكماهون
أنا أخصائي أمراض الكلى في doctormcmahonhospitalservices. عيادتنا هي
متخصص في جراحة الكلى ونقوم أيضًا بمعالجة الكلى وأيضاً
  شراء وزرع الكلى مع
متبرع المقابلة نشتري كل جهاز لمدة 400 000 دولار أمريكي


ملاحظة: نحن موجودون في الهند ، تركيا ، نيجيريا ، الولايات المتحدة ، ماليزيا ،
دبي، الكويت، الولايات المتحدة، Astria، ألمانيا malysia libia spain
إذا كنت ترغب في بيع أو شراء الكلى ، فالرجاء عدم ذلك
لا تتردد في الاتصال بنا عبر البريد الإلكتروني.

البريد الإلكتروني: doctormcmahonhospitalservices@gmail.com
NUMBER: +1609 8567 987 +44 768 8987 898 +347 8788 9990