يقول تقرير خطير، صدر عن خبراء اقتصاديين في وزارة المالية الجزائرية عن التأثيرات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، إن الجزائر تسير نحو الكارثة وستواجه في المستقبل القريب ثلاثة سيناريوهات:الأول، يتوقع استمرار الحكومة في ضخ المليارات من الدولارت في قطاعات غير استراتيجية وهو ما سيؤدي إلى نقص الإنتاج المحلي، وزيادة ارتباط الاقتصاد بالنفط والغاز مع تزايد الاستثمارات التي تعتمد على المضاربة, أما السيناريو الثاني فيتمثل في خفض الإنفاق على المشاريع نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى النصف وهذا ما سيؤدي إلى تفشي البطالة وتراجع مستوى المعيشة وبالتالي تصاعد الاحتجاجات وربما الإنفجار الاجتماعي. أما السيناريو الثالث فهو الأمثل ويتمثل في شروع الحكومة في وضع استراتيجية اقتصادية طويلة المدى تعتمد على إصلاح القطاع المصرفي وإيجاد اقتصاد بديل لا يعتمد أساسا على المحروقات وذلك بتشجيع الانتاج وخلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة بدل تمويل استيراد الكماليات من الخارج، وهذا السيناريو بعيد عن السياسات التي تنتهجها الحكومة. هذا التقرير حجبته السلطات عن الصحافة وعن عامة الناس، وكل ما سمعه الجزائريون هو تطمينات رئيس الحكومة ووزير النفط ووزير المالية بأن الجزائر لم ولن تتأثر بالأزمة المالية العالمية وكأنها تتواجد في كوكب آخر غير الأرض، في حين أن تجارتها الخارجية تعتمد على عوائد بيع براميل النفط بالدولار الأمريكي، أما المعلومة الوحيدة التي يمتلكها نواب الشعب عن أموال الدولة المستثمرة في الخارج فهي الخمسون مليار دولار المودعة في البنوك الأمريكية، ومع استمرار تراجع سعر الورقة الخضراء فإن القيمة المودعة يمكن أن تنكمش إلى النصف. أعود إلى الاقتصاد البديل الذي اقترحه خبراء الاقتصاد، إذ تُعتبر الزراعة والسياحة من أهم القطاعات التي ستسهم في إنقاذ الجزائر بعد نفاد احتياطاتها من النفط والغاز في فترة لا تتعدى عشرين سنة حسب الخبراء. لكن المتتبع لسياسات الحكومة على أرض الواقع يجد أنها لم تقم بإعداد استراتيجية فعالة للخروج من التبعية لقطاع المحروقات بل أسهمت في إضعاف المقومات الطبيعية التي تتمتع بها الجزائر، فالطبيعة لم تسلم من العبث والفوضى وغياب روح المسؤولية، وإن كانت الجزائر تملك شواطئ ساحرة تمتد على مئات الكيلومترات في أحسن منطقة مناخية في العالم (حوض البحر الأبيض المتوسط) إلا أن هذه المقومات الطبيعية شهدت تدميرا مبرمجا، فرمال الشواطئ تسرقها المافيات في وضح النهار لبناء الفيلات والقصور، والكتل المرجانية تتم سرقتها بطريقة مافيوية منظمة وتهريبها عبر الحدود مع تونس، أما ما تبقى من المرجان فيتم تدميره بمتفجرات ال(تي أن تي) لأن الصيادين يركضون وراء الربح السهل ويصطادون كميات هائلة من الأسماك بتفجير هذه المادة قبالة السواحل في غياب الرقابة أو برشوتها. الثروة الغابية مهددة أيضا وعدوها الأول هو التصحر الذي زحف مئات الكيلومترات شمالا حيث غمرت الرمال قرى بكاملها في الصحراء وأصبحت تهدد مناطق في الشمال، أما الغابات فأصبحت عرضة للحرائق في الصيف وأغلب هذه الحرائق مفتعلة وتتم بأوامر من القيادات العليا في مصالح الأمن بحجة كشف الغطاء عن الجماعات المسلحة المتحصنة بتلك الغابات التي تغطي الجبال، في وقت تبني مافيا العقار فيلات وعمارات على سهول كانت بالأمس القريب أراضي زراعية خصبة تُصدّر منتجاتها من العنب والحمضيات ومختلف الخضراوات إلى أوروبا وإلى العالم. ولم ترحم السلطات المساحات الخضراء فمشروع الطريق السيار شرق غرب، أتى على ملايين الهكتارات من الغابات حتى أنه اخترق غابة (القالة) التي تعتبر محمية طبيعية عالمية وتضم أندر الطيور في العالم. وإذا كانت السياسات الحالية لم تتحل بالمسؤولية في حفظ البيئة وهي المصدر الأساسي للنهوض بقطاعي السياحة والزراعة فإن توتر الوضع الأمني بسبب تغييب الحلول السياسية هو العامل الأساسي في إبعاد المستثمرين والسياح عن الجزائر، وتهجير الفلاحين والمزارعين عن أراضيهم في السهول الخصبة التي تغيب عنها الدولة وترتع فيها الجماعات المسلحة. انخفاض أسعار النفط في الثمانينات أدى إلى ثورة الخامس من أكتوبر الاجتماعية التي أدخلت البلد في مستنقع العنف إثر تطبيق تعددية سياسية هجينة اعتمدت على تصفية الحسابات بين أجنحة حزب جبهة التحرير الوطني. والآن ومع الارتفاع المتسارع لعدد السكان الذي بلغ خمسة وثلاثين مليون نسمة فإن اتساع الفجوة بين الغالبية الفقيرة والأقلية فاحشة الثراء أدى إلى ظهور سلبيات اجتماعية خطيرة كتفشي الرشوة والفساد والإرهاب وشيوع الانتحار والهجرة السرية والدعارة وعمليات الخطف والجريمة المنظمة وانتشار المخدرات والتسرب المدرسي. يحدث هذا كله في ظل انحسار وظائف الدولة وظهور بارونات تتحكم في مفاصل الاقتصاد وبالتالي مصير الشعب. وكمثال على غياب الدولة عن التكفل بمشاكل مواطنيها إن لم أقل رعاياها، أجرت القناة التلفزيونية الثانية الفرنسية تحقيقا صحافيا حول الهجمات الانتحارية في الجزائر، ونقلت صورا مخجلة عن الأوضاع التي يعيشها حي (الجبل) الشعبي في أعالي العاصمة وعن تكدس مئات العائلات داخل عمارات تفتقد إلى أدنى ضروريات الحياة وسط أكوام القمامات وفي غياب أدنى حضور للدولة. فوسط أحياء الصفيح تستثمر الجماعات المسلحة في عقول الشباب اليائس الذي تُحوّله من حياة الإدمان على المخدرات إلى القيام بعمليات انتحارية وسط الأبرياء. وقد انطلق من هذا الحي أغلب الشباب الذين نفذوا العمليات الانتحارية الأخيرة. وفي منطقة الأوراس شرق الجزائر حيث كثرت الخلافات بين العروش واعتمد أغلبها العنف الجسدي لحلّها، بايع زعماء ووجهاء العروش أحد الأئمة ليكون قاضيا شرعيا يفصل في قضايا المنازعات بين سكان عدد من القرى. هؤلاء طالبوا وزير العدل اعتماد هذه المحكمة العرفية الجديدة لأن الدولة لم تعد قادرة على الفصل في مثل تلك القضايا. وفي أقصى الصحراء الجزائرية في الحدود مع ليبيا ومالي والنيجر يقول الشباب لمراسلي الصحف المحلية إن ولاءهم لمهربي المخدرات والأسلحة غلَب على ولائهم للدولة لأن المهربين يوفرون لهم لقمة العيش في حين لم تقدم لهم الدولة سوى الشعارات الرنانة ولم توفر لهم العمل في حقول البترول التي تملأ منطقتهم. هناك من الجزائريين من يرى أن مظاهر وجود الدولة تقتصر على نشرة الأخبار الرئيسية عند الساعة الثامنة مساء حيث يتم عرض صور مكررة عن نشاطات الوزراء والمسؤولين الذين يعيشون حياة نظرية بين مستوطنة (نادي الصنوبر) ومحلات الشانزيليزيه في باريس، وفي حال توقف بث النشرة يمكن أن تنهار أجهزة الدولة في وقت قياسي. ومن المثقفين من تنبأ بدخول البلد في حرب أهلية كالتي يشهدها الصومال في فترة أقصاها عشر سنوات، أي عندما تُعلن الخزينة العامة إفلاسها نتيجة تهريب المليارات من الدولارات بشكل منظّم إلى الخارج ويتحول السعي وراء لقمة العيش إلى تطبيق فعلي لقانون الغاب بمعنى البقاء للأقوى. هذه المعطيات كلها تنبئ بمستقبل كارثي ينتظر الجزائر لكن هناك من يرى في هذه التوقعات تشاؤما كبيرا. نتمنى ذلك، لكن من قال إنه سيأتي يوم يذبح فيه طالب جزائري أستاذه في حرم الجامعة من أجل خلاف حول نقطة في الامتحان، ومن قال إن الجزائريات سيركبن البحر للوصول خلسةً إلى الضفة الشمالية للمتوسط؟ بل من قال إن الجزائريين سيقتلون مئتين وخمسين ألفا من إخوانهم ويعتبرونهم طغاة وكفرة؟ الفرق بيننا وبين الغرب أننا لا نخطط للمستقبل بل نخطئ ونتمادى في الخطأ ثم نقول (الله غالب). أما عندهم فإن التخطيط والتنظيم والاستشراف هو أساس الحياة. والعقل ولي التوفيق. سليمان بوصوفه كاتب جزائري مقيم في لندن
No comments:
Post a Comment